الجزء الأول
حوار وتصوير/اسامة شيخ إدريس
نشر هذا الحوار بصحيفة الرائد ...
لم يكن الوصول الى منزل الشاعر الكبير محمد ود الرضى بأم ضوابان بالأمر الصعب فالرجل بكل قامته كان علما بارزا ...وعلى بعد أمتار قليلة الى الشمال من مسيد الشيخ ود بدر الشامخ كان هناك صرحا آخر هو منزل ود الرضى ذى البوابة الكبيرة والحوش الواسع ...ووجدتنى واقفا أمام الباب الكبير محدثا نفسى ..ترى كم شهد هذا المنزل من الهام شعر جميل وهيام شعراء وذكريات لا تعد وقبل ان تأخذنى تأملاتى بعيدا يطالعنى وجة الاستاذ الطيب محمد الرضى ابن شاعرنا هاشا باشا ومرحبا بالرائد ويكرمنا بالدخول الى غرفة شاعرنا الخاصة والذى أصر الطيب ببقائها على حالها وصيانتها رغم وجود البناء الحديث من حولها فظلت هى ذكرى من الماضى الجميل.
وكان لنا فى الرائد هذه العيدية من داخل منزل رائد أغنية الحقيبة الشاعر الكبير محمد ود الرضى
قوافى على الوجه الآخر من اللوح
هانحن بحضن غرفة شاعرنا الكبير ويغمرنا الاستاذ الطيب ود الرضى بفيض من الكرم والذكريات وهو يحكى عن والدة
http://filaty.com/i/908/13226/abn_al-shaer.JPGالاستاذ الطيب الرضى وأسامة شيخ إدريس
هو محمد الرضى محمد سليمان وشهرتة ود الرضى ولد بالعيلفون عام 1885 ووالدته السيدة أم نعيم بت حمد حفيدة العالم الجليل الشيخ إدريس بن الارباب درس الخلوة وهو فى السادسة من عمره بمسيد الشيخ إدريس ود الارباب ثم انتقل فى صباه الباكر الى أم ضوابان فحفظ القرآن على يد الخليفة حسب الرسول ود بدر وكان شغوفا بالشعر والأدب ...كان شاعرنا حينما يأتية الوارد يكتب على الوجة الاخر من اللوح بعض القصائد فشكاه بعض زملائة الى الشيخ وقالوا
- يا شيخنا مُحّمد بكتب الشعر فى ضهر اللوح
فأنبه شيخ الخلوة تأنيبا شديدا فأنشد ود الرضى ابيات للشيخ قال فيها
شيخنا قال لينا إنتو حرفتو
أراكم يا مباديل كلكم هِفتو
شيخنا يا شيخنا إنت كان شُفتو
تجدع الكراس والفكى تكفتو
وامتنع بعدها عن الكتابة بظهر اللوح ولكنة كان يقول الشعر لاصحابة وفى جلساتهم الخاصة والامسيات ومن الرواة لشعرة القاضى ود موسى حيث كتب ود الرضى فى الخلوة الكثير من شعر الموعظة والحكم وشعر الغزل وليس صحيحا ما ذكر ان ود الرضى كتب شعر الموعظة فى آخر أيامة..
ويواصل الاستاذ الطيب ود الرضى فيض زكرياتة قائلا...
سمعت أخت ود الرضى( أم هانى ) وكانت زوجة الخليفة أحمد بن الخليفة العبيد ود بدر شعر الحكمة من ود الرضى وذهبت به الى الخليفة وطلبت ان يسمع بعضا من شعرة وأنشدة ود الرضى
البلخ ببارى أخويا من مولاك
وما بزيل الضجر درهم من الواصلاك
إنما حماقات النفوس من الأجور فاصلاك
فلا تشتكى لأحد غير الذى أبلاك
الى أن يقول
عكرك براك ذكيلو
حاذر تصطفى من تصطفى وتحكيلو
يا ما ليك صبر يئست من توكيلو
هم كان للفهم مالو إذا ابتلى الشاكيلو
الغرفة التى توفى بها الشاعر (غرفتة الخاصة )
قال هذه الابيات وهو لم يصل العشرين من عمرة بعد فأسماه الخليفة ( محمد تنبية الغافلين ) وهو ما يؤكد ان ود الرضى كتب شعر الحكمة وهو فى الخلوة وكتبة فى شبابة وقد نظم قصيدة مشهورة للخليفة حسب الرسول ود بدر اصبحت منهاج للخلفاء من بعده يقول فيها
شمر وأجتهد فوق مناهجك سير
أمسك درب أبوك وفوقها جد السير
والدك مهلها ما خلا ليك تعسير
الخير أوجدوا وآرث لك الأكسير
*****
الى ان يقول
إت مجبور على المرتوقة ترفه
إت مجبور تقلب الصيفه خرفة
إت مجبور كيلك ماتسوى غرفة
ومن بحر نداك اسعنا غرفة
****
إت مجبور على الدين والمعسر
إت مجبور على المر والمعسل
إت مجبور تغسل المو مغسل
لكونك من عظام الحر منسل
بين الحقيبة وشعر الدوبيت
يروى الاستاذ الطيب الرضى ان الشاعر الكبير تأثر بشعر البادية والدوبيت فى بداياته كما تأثر ايضا بالحضارة الوافدة من العيلفون وامدرمان والخرطوم وهو لم يكن وقتها على صلة بشعراء الحقيبة انذاك حيث لم يكن للحقيبة وجود بعد وإنما تأثر بشعر البطانة والدوبيت من الشعراء أمثال الحاردلو وعِبدّله وود رانفى وود الشلهمة حيث نظم الشعر على نسق الدوبيت وكتب قصيدتة الاولى والتى تغنى بها بادى محمد الطيب وخلف الله حمد ويقول مطلعها
سبب نوحى وانت جارى
سبب دمعى الدوام جارى
ثم كتب
الاهلية كملت يا حبايب راحت
حليل شمس المحنة الغربت طاحت
وعلى نسق الدوبيت نظم
إن جيت قاصدا السكة ما تماشيكا
وإن شاهدتها تلقى الطرب حاشيكا
مقهور بى الله أطرى الذى ناشيكا
عيبها واحد بس ..كسلانه ميها وشيكا
العودة من سنار
شأنة شأن الشباب فى ذلك الوقت والحديث لا يزال للاستاذ الطيب الرضى سافر ود الرضى بحثا عن العمل فعمل رئيسا للطلبب بخزان سنار وهناك لاقى من العنت وصعوبة العيش ما لاقى فكتب يحن الى أهلة والمحبوبة قائلا
متى مزارى أوّفى نذارى ***** وأجفوا هذا البلد المُصيف
ما أقول أمتى المزار ِ ***** إلا تجرى دموعى الغزار ِ
زارنى ناسم شاقنى المزار***** لو يزورنى الطيف يبقى كيف
ونظم وهو فى طريق العودة من سنار الى الاهل قصيدتة المشهورة
يلوحن لى حماماتن
همن عينى غماماتن
بريدن شوقى لى لماتن
ثم نظم أروع قصائدة على الاطلاق
أحرمونى ولا تحرمونى ستة الاسلام السلام
عطفكم يا من ألمونى
كالأشعة الاسم رمونى
الأنين والنوح علمونى
لومعنعن قول كلمونى
انعكاس الأحوال كفونى
حبى طاهر لما تظلمونى
برضى قابل الظلم إحترام
ويروى الاستاذ الطيب الرضى ان أحد الاخوة المصرين وهو استاذ للادب العربى وحاصل على درجة الدكتوراة سأل عن معنى احرمونى ولا تحرمونى فرد على الاستاذ الطيب بأنة يعنى ان تحرمونى كل شئ سوى السلام والذى هو سنة الاسلام فقال هذا من أجمل ما قرأت
ود الرضى والبازار وبطران
إمتحان عسير
سالنا عن علاقة الشاعر الكبير ود الرضى بأترابة وانداده من الشعراء فى ذلك الوقت فأجاب الاستاذ الطيب بأنة لم يكن من السهل ان ينصب الشخص شاعرا مالم يكن كذلك وذكر ان ود الرضى تعرض لثلاث امتحانات وإجتازها كلها اولها كان إمتحان الخليفة لة وثانيها ان شاعر البطانة الكبير ود الحاردلو وقد بذغ نجم ود الرضى فى آخر آيام الحاردلو سمع ان هناك شاعرا فذا يدعى ودالرضى فأرسل لة لغزا على شكل قصيدة وقال لهم إن فهم ما اعنى فهو شاعرا حقا قال لة
سيسب واتقلد فى ليالى الصيف
لاموج لامطر لاشتا لا زيف
زولو واحد حريف ولطيف
الملاين العشرة حراتو بعمل كيف
فرد علية ود الرضى
شِعرك بعرفوا لكن معاهو غتاته
وشَعر البنات ما بوصفوه بحراتة
السيسب واتقلد ديس المبروعة عند أُماتة
والملاين العشرة أصابع المشاطة
فأعجب بة الحاردلو وكانت الاجازة الثالثة عندما وصل ود الرضى للعمل بالخرطوم وأمدرمان والتقى بالشاعر العمرابى والذى قادة الى العبادى وبدورة قادة العبادى الى مجلس الشعراء وكان ود الرضى وقتها يرتدى العراقى والتوب فانكروة واسموه (العريبى اب توب ) ولم يكونوا يقبلو احدا فى مجلسهم مالم يكن شاعرا حقا ومنهم أبو صلاح وبطران وخليل فرح والعبادى والكهربجى وغيرهم وكان وقتها الغناء السائد هو غناء الطنابرة فارادو ان يمتحنوا شاعرية ود الرضى وقالو للعبادى
- الليلة ح نطير ليك زولك دا مننا
فراهن علية العبادى وقام بإختيار بيت تنتهى قافيتة بحرف الزال مكررا وطلب من ود الرضى ان يجارية وهى من اصعب القوافى فقام العبادى وأنشد
عكت جات تميل من الارض خزازا
زينة الخلقة داب ما حسبن بزازا
دارت وليها داروه الفى الرزم عام زازا
شفنا الدقة والزرزور فصل حزازا
فرد ود الرضى على التو قائلا
قادا غزير زراقا زاولنا جيدا قزازا
صارت تعترينا جنان وصرنا جزازا
صرنا كزيزوان والقلب ذاب وإزازا
زانت الزان زبرجد من خميلة أزازا
فاجازوه بالاجماع وبدا ينظم معهم الشعر واولى قصائدة المغناة بالطنبور كانت
صرت كالفانى ساحت أجفانى
يابا عجل بى قبل تلّفانى
وكانت اشهر الرميات واغلبها فى الحقيبة هى من شعر ود الرضى ومنها
الطابق البوخة قام ندى يهتف نام من الدوخة
ايدو عاقباه الجدلة مملوخة
لى معالق الجوف موسو مجلوخة
يا خليل دقق الجمال والذوق فيهو متحقق
الكفل عالى والحشى مرقق
والقديم فى البيت كان مشى يبقق
إضراب الطنابرة
عندما حدث اضراب الطنابرة الشهير وامتنعوا عن الغناء والعزف مع الفنانين لجا سرور الى الغنا بصحبة الكورس فقط ولغى مصحابة الطنبور وهو التصرف الذى منة ابدات فترة الحقيبة حيث نظم العبادى وود الرضى اغنيات لسرور منها التقيل والمتوسط والخفيف كما كان يفعل الطنابرة ولكن بمصاحبة الكورس فقط وقد وجدت قبولا عظيما من الجمهور وكانت قصيدة ود الرضى الاولى التى غناها سرور
دمع المحاجر قرن
افكارى المابندرن
يا حليلو اللى حجيلو رن
وانتشر عناء الحقيبة فأخذ منة عبد الله الماحى وعمر البنا ونظم ود الرضى العديد من القصائد منها الناحر فؤادى وست البيت والسلام يا روح البدن وليالى الخير وغيرها الكثير
منقول